عن بيئة التعلم

يشهد العالم تطوراً مذهلاً ومتسارعاً في مجال التكنولوجيا، حيث انتشرت بشكل عملي في جميع جوانب الحياة، وأبحرت في عالمنا حتى حولت العالم إلى قرية صغيرة، ستجد كل يوم العديد من الوسائل والطرق الجديدة التي تساعد في خدمة الإنسانية وزيادة معلوماتها وتحسين قدرتها.

ونظراً لسيطرة التكنولوجيا على روح العصر الحالي، وما تقدّمه من فوائد وتسهيلات في شتّى المجالات، ومنها التعليم، أخذت المؤسسات التعليمية تتنافس فيما بينها مستخدمةً تكنولوجيا المعلومات والاتصال، سعياً لمواكبة تطوّرات عصرنا الحالي، ونظراً لسهولة تخزين المعلومات وإمكانية استرجاعها السريع في أيّ وقت عبر الإنترنت، ظهرت بيئات تعليمية الكترونية، أو ما يعرف ببيئات التعليم الافتراضي، الذي ألغى الطريقة التقليديّة في الدراسة ضمن الفصول المدرسيّة، وبين مؤيد لهذه الفكرة الجديدة من التعلّم الكلّي الإلكترونيّ ورافض لها، والتُّهم التي وجّهت إليها، ظهر التعليم المدمج الذي دمج بين الطريقة التقليديّة والطريقة الحديثة الإلكترونيّة. (teachthough, 2021)

وتعتبر شبكة الإنترنت من أهم المستحدثات التكنولوجية، والتي كان لها تأثيرات عظيمة في ميادين عديدة، وبخاصة في الميدان التعليمي، حيث أتاحت للمتعلمين التعلم من أي مكان، وفي أي وقت، كما مكنت المتعلم من المشاركة في بناء المعلومات وإنتاجها وجعلت له دوراً إيجابياً بعد أن كان متلقياً سلبياً للمعرفة. (الأمير،2019م، ص5)


هذا الأمر فرض تحديات كبيرة على الأنظمة التعليمية تختص بحاجتها إلى فرص تعليمية أوسع؛ مما تطلب توظيف مستحدثات تكنولوجية جديدة توجه مسار المتعلم في مجتمع المعرفة؛ لمواكبة التدفق السريع للمعلومات، ولتنميته علمياً وتكنولوجياً واجتماعياً. (حسين،2016م، ص25)

ولا شك أن التربية الحديثة تعمل على إتاحة المزيد من فرص التعلم وإعطاء متسع من الحرية للمتعلم ليبني معرفته ويديرها بنفسه، وفقًا لقدراته واستعداداته وميوله وسرعته، مع توفير المزيد من الوقت والمرونة في الانتقال من موضوع لآخر، من هنا أيضاً ظهرت الدعوة إلى التحول نحو التعليم والتعلم الرقمي ودمج التقنية في التعليم، وظهرت تبعًا لذلك العديد من أدوات وبيئات التعلم الإلكتروني وأنظمة التعلم الإلكتروني التي تدعم العملية التعليمية التعلمية.

وتشمل البيئة الإلكترونية توفير المحتوى العلمي وإدارة العملية التعليمية بالكامل عبر الإنترنت مما يوفر العديد من المزايا التي تفتقر إليها البيئة التعليمية التقليدية. فهي تتجاوز حواجز الزمان والمكان وتتجنب عوامل الخطر، لأنها بالإضافة إلى توفير وسائل الاتصال للمعلمين والمتعلمين، فإنها تشمل أيضًا الوسائط المتعددة والواقع الافتراضي، مما يجعل عملية التدريس والتعلم أكثر إمتاعًا وإفادة للطلاب. ويعتمد المتعلمون على مراقبة الجودة المتعلقة بقياس مدخلات ومخرجات التعلم، ولا نعني تحويل المحتوى إلى صفحات ويب فقط، ولكنها تحول المحتوى إلى أنشطة تفاعلية إلكترونية، بحيث يكون للمتعلمين دور نشط، ويتم توجيههم من قبل المعلم للعملية التعليمية.

كما تعمل البيئة الإلكترونية على حل كثير من المشاكل والصعوبات التي تواجه العملية التعليمية التقليدية، من كثرة الطلب على التعليم وزيادة السكان والأحداث السياسية. وتسمح هذه البيئة للمتعلم بالتفاعل، والتحكم والاكتشاف والحصول على المعلومات الكترونياً (جاد وعاصم،2015م، ص313)

والتعلم بواسطة بيئات التعلم الالكتروني عبارة عن تحول جذري من التعليم التقليدي إلى التعليم عن بعد المبني على استخدام الحاسوب، فهو يشجع المعلم على التحول من مصدر للمعلومات إلى ميسر ومسهل لعملية التعلم، أي تحويل المعلم من دور المرسل والطالب من دور المستقبل فقط إلى دور المشاركة معاً في عملية التعليم. (عامر،2015م، ص14)

إذاً توظيف بيئات التعلم الالكترونية وتطبيقاتها في العملية التعليمة وسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية وتحولها من طور التلقين إلى طور الإبداع والتفاعل وتنمية المهارات، ويجمع كل الأشكال الإلكترونية للتعليم والتعلم، حيث تستخدم أحدث الطرق في مجالات التعليم والنشر والترفيه باعتماد الحواسيب ووسائطها التخزينية وشبكاتها، ولقد أدت النقلات السريعة في مجال التقنية إلى ظهور أنماط جديدة للتعلم والتعليم، مما زاد في ترسيخ مفهوم التعليم الفردي أو الذاتي؛ حيث يتابع المتعلم تعلّمه حسب طاقته وقدرته وسرعة تعلمه ووفقاً لما لديهِ من خبرات ومهارات سابقة. (قورة وأبو لبن،2013م، ص134)

ومن خلال بيئات التعلم الالكترونية يستطيع المعلم تنويع طرق وأساليب التعلم بما يناسب كل المتعلمين، خاصة وأن هناك اختلافاً واضحاً في الفروق الفردية بينهم، مما يجعل إخضاعهم جميعاً لطريقة تعليمية واحدة لا يخلو من جور وظلم، فكم من أعداد منهم سقطت على طريق التعليم الطويل ضحايا تلك الطريقة الواحدة الجامدة، والبيئات التعليمية الالكترونية توفر للعملية التعليمية مزيد من الكفاءة والفعالية، فالمعلم وحده مهما كانت امكاناته الذاتية محدود الطاقة، والتكنولوجيا التعليمية تزيد من امكاناته وطاقته. (عامر والمصري،2015م، ص28)

لعل هذا ما جعل دول العالم تقوم باستثمارات كبيرة في مجال تطوير التطبيقات التعليمية الذكية والتحول الى بيئة تعليمية الكترونية لتواكب متغيرات العصر وحداثته وتحدياته، كما أن التطبيقات الذكية في مجال التعليم والتعلم لها أهمية كبيرة في تواصل المتعلمين مع بعضهم حول المقررات الدراسية ومناقشتها وتفسيرها والبحث عن المصار والكتب من خلال مصادر البحث الحديثة التي تمثل رفداً جديداً للمعرفة وتنمية القدرات العلمية والمهارية للمتعلمين. (القاسمي،2020م، ص15)

وهذا كله لا يتحقق إلا بالقراءة، حيث تعد القراءة حجر الزاوية لنجاح المتعلمين في مهارات حياتهم المستقبلية، ومراحل تعليمهم المختلفة، ومواجهة التطورات والتغيرات التكنولوجية السريعة والحد من المشكلات والصعوبات النمائية التي قد تواجههم، بالإضافة لتنمية مهاراتهم اللغوية من إدراك للرموز المكتوبة ونطقها واستيعابها وترجمتها إلى أفكار، وفهم المادة المقروءة والتفاعل معها والاستجابة لمضمون هذه الرموز، وجعلهم عنصراً فاعلاً في مجتمعهم، قادرين على التكيف مع الحاضر، ومساهمين في استشراف المستقبل. (علي،2018م، ص920)

كما أن طرائق تدريس القراءة العربية في المرحلة الابتدائية لا تعطي الانطباع الذي يوفر القناعة بفاعلية التلاميذ، وانسجامهم مع ما تعرضه عليهم هذه الطرائق من أنواع للقراءة في الدروس، فلا تزال المدرسة الابتدائية لا تعرف سوى نوعين من القراءة هي الجهرية، والصامتة فقط، دون التعرض بشكل يناسب المرحلة إلى أنواع أُخر، لاسيما السرعة القرائية القائمة على الفهم التي أصبحت مطلباً لا بد منه، للتهيؤ الطبيعي، والفعال للمراحل الدراسية الآتية. (العوادي والجنابي،2017م، ص395)

والقراءة السريعة هي مجموعة من الأساليب التي تهدف إلى زيادة معدلات سرعة القراءة دون التأثير بشكل كبير على الفهم أو الحفظ، هذه الطرق تشمل طرقاً لاستخدام الذاكرة والقضاء على القراءة الصامتة. بالرغم من أن العين الواحدة تكون مثبتة على كل كلمة وفراغ أثناء عملية القراءة، إلا أن سرعة القراءة تصبح ممكنة عند التقليل من مدة وقفات العين وثباتها. (ويكيبيديا)

حيث تعد السرعة القرائية أسلوب تعليمي يشتمل على قراءة مجموعة من الكلمات تلو مجموعة اخرى من الكلمات دون العودة لما سبق قراءته، وتتراوح سرعة القراءة العادية ما بين 150 الى 200 كلمة في الدقيقة الواحدة، وتقدر السرعة القصوى بأكثر من ذلك، كما يعد الفهم القرائي من أهم المهارات اللغوية التي يحتاجها التلاميذ. (عبد الحكيم،2019م، ص411)

وكثيراً ما يطرح الافتراض الآتي: إذا أردت أن تفهم وتستوعب ما تقرأ فينبغي عليك أن تقرأ ببطء وحرص، ويبدو هذا الافتراض منطقياً، ولكن نتائج الأبحاث أثبتت أن هذا الافتراض غير قائم على أساس صحيح، حيث أثبتت الأبحاث أنه كلما زادت سرعتك في القراءة تحسنت قدرتك على الاستيعاب. (أبو جبين،2017م، ص9)

وقد أكدت نتائج دراسات عديدة على الاهتمام بمهارات القراءة السريعة ومنها: دراسة شلبي (2020م) ودراسة حكيم (Hakim, 2018) ودراسة العوادي والجنابي (2017م) ودراسة جابر(2015م)، ودراسة أبو عكر(2014م)، ودراسة معابرة (2014م).

حيث تظهر أهمية السرعة القرائية في أنها تمكن التلاميذ من معرفة الكلمات والجمل والعبارات، والنطق بها نطقاً معبراً وسلساً وفهما بسرعة، مما يتيح لهم مواكبة التطور السريع في ميادين المعرفة المختلفة، وحسن التعامل مع النصوص القرائية المتنوعة التي تعترض طريقهم في الكتب المدرسية أو الحياة اليومية العادية. (شلبي،2020م، ص658)

وتبرز أهمية السرعة في القراءة أيضاً بعد تجاوز التلاميذ الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، حيث يتوقع منهم أن يقرؤوا بشكل مستقل، في الوقت الذي تتزايد فيه حجم المواد الدراسية، وتتعقد مستوياتها، فيجدون أنفسهم يواجهون وظائف مدرسية متزايدة الصعوبة، لذا فإن الافتقار إلى السرعة القرائية يؤدي بهؤلاء إلى أن يتخلفوا كل عام في القراءة وفي المواد الدراسية المختلفة. (خالد اللهو،2016م، ص94)

والتدرب على مهارة القراءة السريعة لا يعني الإسراع في قراءة النص كلمة كلمة، لكنه يعني التدرب على فهم معنى الجملة بنظرة واحدة، فكلما زاد مدى فهم العبارة المقروءة زادت سرعة القارئ وعلى المعلم أن ينمي لدى طلبته مهارة القراءة السريعة، لكي يتمكنوا من مواكبة التطور المعرفي والتكنولوجي. (أبو زيادة،2017م)

وتتضمن مهارة القراءة السريعة عدداً من المهارات الأساسية، حيث قام الباحث بدراسة مجموعة من تلك المهارات التي حددها الخبراء بناءً على المصادر التي أشار إليها، وهي مرتبة على النحو التالي: (مهارة تركيز الانتباه، مهارة التعرف على الكلمة، مهارة زيادة المدى القرائي للعين، مهارة تنظيم حركات العين، مهارة تنظيم حركات اليد، مهارة فهم الفكرة الرئيسة، مهارة فهم الأفكار التفصيلية، مهارة الاستنتاج).

ولا يعني الاهتمام بمهارة السرعة القرائية أن نغفل الاهتمام بمهارة الفهم القرائي، بل نريد اكسابهما معاً، فالأصل في القراءة أن تكون أولا للفهم، لأن الفهم القرائي مهارة رئيسة، بل هي المهارة المحورية التي يهدف تعليم القراءة إلى تنميتها. (أبو زيادة،2017م، ص4)

وتعتبر مهارات الفهم القرائي المدخل الأشمل لفهم الكلمات وتحليلها وربط دلالات الرموز وفكها، فهي إدراك العلاقات العملية المعرفية التي تقوم على التمييز والتنظيم والاستنتاج، وتتطلب قدرة التلميذ على فك رموز الكلمات المطبوعة التي يستجيب لها بصرياً وحسن تصور المعنى الحرفي والضمني لها سواء كانت كلمة أو جملة أو فقرة وذلك خلال فترة زمنية محددة. (عبد الله،2017م، ص23)

وفي ضوء بعض الدراسات السابقة التي تناولت مهارات الفهم القرائي، استخلص الباحث أهم المهارات الأساسية وهي: مهارات الفهم القرائي الحرفي، مهارات الفهم القرائي الاستنتاجي، مهارات الفهم القرائي النقدي، مهارات الفهم القرائي التذوقي، مهارات الفهم القرائي الإبداعي.

وقد أكدت نتائج هذه الدراسات على الاهتمام بمهارات الفهم القرائي ومنها: دراسة الأحول (2018م) ودراسة حلس والصيداوي (2018م) ودراسة باسار وغوربوز (Başar & Gürbüz, 2017) ودراسة أبو زيادة (2017م)، ودراسة عبد الله (2017م)، ودراسة سنجي (2016م)، ودراسة التتري (2016م)، ودراسة عياصرة وعاشور(2016م).

ومن هنا كان لا بد من التركيز على سرعة الفهم القرائي لما نلاحظه من إهمال هذه الجوانب عند المعلمين، حيث يركزون فقط على الحفظ بدون السرعة أو الفهم لما يقرؤونه، ولا بد أن يسبق الفهم سرعة القراءة، لأن السرعة والفهم القرائي مترابطتان مع بعضها البعض. (جابر،2015م، ص3)